محنة الأقليات بين المزايدات ومعارك الأعتراف .
أن من أكبر التحديات التي تواجه تماسك الأقليات هو المزايدات السياسية والجهوية المدفوعة الثمن و لا تبدو على مشارف التصدع والسقوط، إلاّ عندما يتفاقم وضعها ضمن نخبها الحاكمة انقسامٌ يتجاوز حدود وإمكانيات الاستيعاب مثلما هو حاصل في المكون الفيلي .
يمكن أنّ نعتبرجوهر المسألة هو في (تماسُك النخب ) التي تحاول أن تُدير من الخلف التجربة باتجاه المؤسسة . فالتماسُك الفكري أو الفعلي إذا استمر لحقبتين بشكل مهني ومدروس يصنع جمهوراً تصبح إرادته في الواقعية السياسية أعلى من الانقسامات واستضعاف الخارج والداخل للمكونات .
كل من يتعاطى السياسة في العراق الحديث يُدرك جيدا مدلول هذا التحليل، حيث بات واضحا لدى الجميع أن السياسة القائمة على الهوية المكوناتية هي البديل الحقيقي للسياسة القومية والدينية المركزية القائمة على الهوية الواحدة والتي بلغت مداها ودخلت في أزمة تآكل ذاتي لا ينفع معها أيُّ إصلاح بل هدمها نهائيا هو الأجدى لمستقبل العراق وشعبه.
لقد تفوَّقت الأقليات بصمودها ومقاومتها من الزوال السياسي كما انها صمدت أمام الشوفينية بالرغم من أن هذه الأخيرة احتكرت لعقود المؤسسات الرسمية والموارد على مدى أكثر من اربعة عقود .
أن الوعي بهذه العقلية التي ترى حفظ المكونات من العروبية المُستبدة، وَهُوَ وعيٌ نابع بطبيعة الحال من المنظور السياسي للمكونات بعد ٢٠٠٣ م وقد أدَّى إلى الرغبة في تفكيك تلك العقلية المستبده على أعلى مستوى، أي المستوى الدستوري، فتمَّت دسترة المكونات وصفق الجميع لهذه الخطوة التاريخية لكن تبقى غير كافية للحفاظ عليها إذْ يجب أن تتبعها خطوة ثانية أكثر أهمية وإلحاحاً وهي وضع المكونات كأساس للهُوِّية العراقية . هذه الخطوة هي الكفيلة والضَّامِنة لكي يتوقف الخراب الذي سبَّبَته القومية العربية طوال ٤٠ عام .
ويشترط أن تصاحب عملية الأنتقال الدستوري والأجتماعي والسياسي تكثيف المعرفة والتبيين حتى تستطيع القفز، في أسرع وقت ممكن من الأمية إلى التدوين ولايتحقق ذلك الا بوجود مراكز ومؤسسات للدراسات تهتم بهذا الجانب وتكون بعيدة عن التقاذفات والتجاذبات السياسية الغبية.
حيث يذهب البعض لأستئجار المكون الى جهات سياسية ليس في بنيتها الفكرية اي أيمان بالتنوع والتعددية الحذر منهم لأنهم من طينة الأشخاص الغَيْر مستقرين والغَيْر مندمجين، الأشخاص القلقون المُتبرِّمون من التطور السياسي ، المُتخلفون عن الرَّكب، الكُسالى، الواهمون، بل الفاقدون لصوابهم. لا ضابط، إذن، لِهَؤُلاءِ سوى الأقصاء والتهميش السياسي .
وقد عانينا كثيراً منهم، ولكن رغم ذلك لايمكن ان نترك أبداً الباب مقفلا، كان الباب دائما مفتوحاً على النقاش والحوار مع هذه الكائنات السياسية إلتي عادت بعضها الى رشدها و غيرت من مواقفها لصالح المصلحة العامة، بمعنى انتصرنا في جميع المعارك التي خضناها وأقصد معارك الاعتراف في ظل استعمال المُزايدات السياسية والتي كانت تستخدم أساليب الهمز واللمز عن طريق تقليله المتعمد لأهمية أدوار من يشاركونها المسؤوليات والواجبات الوطنية، وهي طريقة تفكير هدّامة، وسلوك سلبي لايعود بالأيجابية في قضية استرجاع الحقوق وتثبيت الهوية والتعويض عن الظلم والأبادة وتجريف الثقافة طوال عقود .