التخبط الأميركي أمام إيران: ارتباك استراتيجي في مواجهة تضامن إسلامي صاعد
تشهد الساحة الدولية في الآونة الأخيرة تصاعدًا لافتًا في حدة التصريحات الأميركية تجاه الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ما يعكس بوضوح حالة من الارتباك والتخبط داخل الإدارة الأميركية، التي تواجه اليوم واقعًا استراتيجيًا متغيرًا، لم تعد أدوات الضغط التقليدية كافية فيه لتطويع إرادة الخصوم أو تغيير المعادلات.فخلال أيام معدودة، صدرت عن واشنطن مواقف متضاربة، ما بين التهديد باستخدام القوة، والدعوة إلى التهدئة والحوار، في مشهد يشي بأن الولايات المتحدة لم تعد تمتلك رؤية واضحة أو استراتيجية ثابتة في التعامل مع إيران. هذا التذبذب ليس عرضًا سطحيًا، بل هو نتيجة مباشرة لتحول جذري في موازين القوى في المنطقة، كانت طهران أحد أبرز صانعيه.فالجمهورية الإسلامية لم تعد تُنظر إليها كدولة يمكن محاصرتها أو عزلها، بل باتت قوة إقليمية مؤثرة، تمتلك أدوات الردع، وعمقًا استراتيجيًا يمتد من المتوسط إلى بحر العرب. لقد فشلت سياسات الضغط الأقصى، والعقوبات، والتحريض الإعلامي، في ثني إيران عن ثوابتها، بل منحتها هامشًا أوسع للتموضع والثبات.وفي مقابل التخبط الأميركي، برزت مواقف إسلامية وإقليمية متقدمة، أظهرت حجم الدعم الذي تحظى به طهران في مواجهة التصعيد الغربي. فقد عبّرت العديد من الدول الإسلامية الكبرى عن رفضها لأي عدوان عسكري أو محاولات لفرض الهيمنة على القرار الإيراني، مؤكدة على ضرورة احترام سيادة الجمهورية الإسلامية، وعلى أهمية الحوار لا التهديد في معالجة الخلافات.كما شهدنا حالة من التماهي بين الموقفين الشعبي والرسمي في أكثر من دولة، من خلال التظاهرات الشعبية، والمواقف الحزبية والبرلمانية، والتصريحات الصادرة عن قوى المقاومة والممانعة، التي أكدت أن استهداف إيران هو استهداف لمشروع استقلال القرار السياسي في المنطقة، ومحاولة لضرب المعسكر الذي يرفض التطبيع والاحتلال.هذه البيئة السياسية الجديدة أربكت الاستراتيجية الأميركية، التي لطالما اعتمدت على تفكيك الصفوف الإسلامية، وخلق العزلة حول إيران. لكن الواقع الميداني والدبلوماسي يقول عكس ذلك: طهران تتقدم، وتبني شراكات استراتيجية مع قوى ناشئة، وتحظى بتأييد متصاعد من الشعوب الإسلامية، فيما تتراجع واشنطن، وتفقد أدوات التأثير التي لطالما احتكرتها لعقود.إن الخطاب الأميركي الأخير لم يعد يُقنع الحلفاء، ولا يُخيف الخصوم. فواشنطن أصبحت تدرك أن أي مغامرة عسكرية ضد إيران ستكون مغامرة مكلفة وغير مضمونة النتائج، ليس بسبب القدرات الإيرانية فحسب، بل بفعل الغطاء الإقليمي والدولي الذي بات يحول دون تكرار سيناريوهات التدخل والعدوان.ختامًا، يمكن القول إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية نجحت، ليس فقط في إفشال مشاريع الحصار والاحتواء، بل في فرض معادلة سياسية وعسكرية جديدة، قائمة على التوازن والندية، تدعمها في ذلك بيئة إسلامية صاعدة وموقف شعبي متماسك. أما الولايات المتحدة، فتقف اليوم أمام مفترق طرق حرج، بين الاعتراف بالواقع الجديد، أو الاستمرار في تكرار أخطاء الماضي التي لم تجلب لها سوى الفشل والانكفاء.