المال والسياسة.. شراكة النفوذ والمصالح
في السنوات الأخيرة، لم يعد مشهد دخول رجال المال والأعمال إلى ميدان السياسة أمرًا استثنائيًا، بل أصبح ظاهرة متنامية تعكس تحوّلًا في طبيعة العلاقة بين الثروة والسلطة. فالبعض، بل الأغلبية من رجال الأعمال، لم يعودوا يكتفون بتوسيع نفوذهم الاقتصادي فحسب، بل سعوا إلى توطيد حضورهم في المشهد السياسي، إدراكًا منهم أن المال بلا سلطة يبقى هشًّا، وأن القرار السياسي بلا قاعدة اقتصادية يبقى ناقص التأثير.الدوافع في هذا المسار ليست كمالية أو ترفًا اجتماعيًا، بل خطوة تكاملية مدروسة في نظرهم. إذ يرى كثير منهم أن المشاركة في القرار السياسي تتيح حماية مصالحهم من التقلبات التشريعية والضريبية، وتمنحهم نفوذًا مستقرًا في بيئةٍ تتسم بعدم اليقين. ومن جهة أخرى، فإن السياسة تضيف إلى الثراء الاقتصادي بعدًا رمزيًا وشهرة اجتماعية تمنح أصحابها ما يشبه “الخلود المعنوي” في الذاكرة العامة.لقد أصبحت السياسة، بالنسبة لرجال الأعمال، امتدادًا طبيعيًا للنفوذ الاقتصادي، فهي تفتح أمامهم أبواب التأثير الأوسع في القوانين، والاتفاقيات، واتجاهات السوق، كما تتيح بناء شبكات معقدة من المصالح تربط بين الاقتصاد والإعلام وصناعة القرار.لكنّ الوجه الآخر لهذه الظاهرة لا يخلو من الخطورة. فحين يتداخل رأس المال مع القرار السياسي إلى حدّ التضارب، تتراجع قيم العدالة والمنافسة الشريفة، وتضعف ثقة المواطن بالدولة ومؤسساتها. الأخطر من ذلك حين تتحول السياسة من وسيلة لحماية الوطن إلى وسيلة لحماية الثروة، فتُدار الدولة بعقلية الربح والخسارة لا بعقلية المصلحة العامة.إن دخول رجال المال والأعمال إلى عالم السياسة، وإن كان في نظرهم خطوة تكاملية، يبقى في جوهره اختبارًا صعبًا لتوازن الدولة بين من يملك المال ومن يملك القرار، وبين من يسعى للنفوذ ومن يسعى للمصلحة العامة.